الأحد، 28 يوليو 2013

قبيلة بني مسكين: في عهد للسلطان سيدي محمد بن عبد الله:

الفصل التاسع:
المبحث الأول: قبيلة بني مسكين:
 في عهد للسلطان سيدي محمد بن عبد الله:
تحولات سياسية أم مجرد تغييرات ظرفية  في ضل "وجبة" من " الإنفراج المخزني".

مباشرة بعد مبايعته، بادر هذا السلطان ضمن سياسته الداخلية، إلى إعادة النظر في توزيع السلطات المخزنية بالأقاليم المغربية. حيث اشتمل ذلك على تقليص مجال بعضها أو تمديد أخرى، كما تضمن تنصيب شخصيات جديدة على رأس إداراتها، مما تطلب عزل عدد من عمال وباشوات أبيه.
ويهمنا منها هنا ما نال إقليمي تادلة وتامسنة، إذ كانا يمثلان المجال السياسي الذي تداول عماله حكم قبيلة بني مسكين. فهي تارة تابعة لهذا وتارة يحول أمرها للآخر، وكل ذلك حسب مشيئة السلطان وتغير نوازعه. وقد لاحظت وجود خلط كبير في الإخباريات التي أوردها في هذا الشأن كل من القادري والضعيف والناصري، ومن ذلك تضاربها في ضبط أسماء العمال وسنوات تعيينهم، أو في تناقض رواياتهم واختلاف صياغاتها حول ملابسات التعيين أو العزل[1]. فضلا عن خلوها من الإشارة إلى هذه القبيلة في ضلهم.
ومما يمكن الركون إليه منها، أن السلطان كان قد قام في بداية سنة (1172/1758) بعزل قواد أبيه عليهما، حيث تعلق الأمر بكل من القائد الراضي الورديغي عن تادلة والقائد ولد المجاطية عن تامسنة، وأنه ولى مكانهما القائد محمد بن حدو الدكالي. الذي وصفه الناصري (..بقائد القواد الذي كان من السلطان بمنزلة الوزير..). ويبقى التساؤل مطروحا حول أهداف السلطان من نهج نفس الأسلوب الذي اتبعه جده المولى إسماعيل في الإبقاء على نظام الإيالات الكبرى، حيث تعطى فيها للعمال سلطات واسعة.
وإذا كانت هذه السياسة قد منحت المخزن وقتها قوة إجرائية أكبر في تسيير الشأن الإقليمي،إلا أنها لم تخل من أضرار على المدى الطويل. إذ اعتبرت مخلفاتها من العوامل المؤدية إلى تسريع الإنكسار الكبير الذي عرفه المغرب بعد وفاة السلطان وانهيار التوازن في السلطة المركزية. ويعرف أنه بعد وفاة هذا العامل الكبير سنة 1176، سيعوضه سيدي محمد بن عبد الله بابن عم الهالك وهو القائد محمد بن أحمد الدكالي، حيث سيبقى في منصبه طوال 16 سنة.
أما على الصعيد المحلي، فقد تميزت هذه الفترة كما سبق ذكره، بارتقاء المسمى عمر بن بوسلهام المنيعي من سلطة الشياخة على فرق القسم الغربي من قبيلة أولاد أمراح المزابية، (لف بني أمنيع) إلى منصب قائد على كافة فرق هذه القبيلة بالإضافة إلى فرق (لف أولاد على) من بني مسكين. فكان أن زادت بذلك حدة الإنقسامات الداخلية،حيث ضل لف أولاد ناجي خارج هذا الإنتظام. ويمكن القول أن فرقه قد عاشت فراغا مخزنيا بعد عزل السلطان لعامل تادلا،وفي ذلك إشارة أكنسوس:(وأن السلطان عندما عزل قائده محمد بن أحمد الدكالي عن السراغنة وتادلة وبني مسكين ولم يترك له سوى إخوانه)، ولم يقل شيئا عن مآل بني مسكين بعد هذا العزل، كما يصعب الإعتماد على رواية كرلوطي لعدم دقتها.
لكننا نجد بعض العزاء في إشارة للفقيه الحجاجي ضمن ترجمته لجد جده للأب الفقيه سيدي الغازي بن عباس الحجاجي، وتتعلق بالمآل الذي صارت إليه حركة السفر عبر طريق تامسنة ما بين قصبة البروج ومركز أولاد خمليش بأولاد أمراح في أوائل العقد الثالث من حكم هذا السلطان، وهي بالغة الدلالة على ظروف الفراغ المخزني المدكور:
(ويحكون أن سيدي الغازي لما غادر مراكش التي قرأ فيها استقر بزاوية القضيا عند السراغنة ثلاث سنوات للتدريس بها. ولما ازداد عنده إبنه سيدي العربي، أراد أن يأتي به لأعمامه بأولاد أمراح لإجراء العقيقة، فلم يجد لذلك سبيلا لعدم الأمن في الطريق، وجلس في البروج ثلاثة أشهر حتى ذهب إليه جمع من رماة القبيلة وجاء معهم جم غفير من الناس كانوا محصورين معه.. .
وعلى كل، فإن أول خروج للسلطان لبلاد تامسنة بعد بيعته، كان على شكل حركة عقابية لقبائلها الساحلية، لقاء استمرار هجماتهم على طريق القوافل الرابط ما بين مراكش ورباط الفتح المار بقبيلة بني مسكين. ويظهر أن المتضررين هذه المرة كانوا من أتباع القائد المنيعي وحلفائه من أولاد علي. لأن الهجمات التي دأب عليها هؤلاء خلال فترة الصراع ما بين أبناء المولى إسماعيل كانت تشمل القوافل المتنقلة عبر قصبة البروج والواقعة في عهدة أولاد ناجي.
ويقول في ذلك الضعيف الذي نقل عنه الناصري ما يلي: (.. وفي يوم السبت 24 ذو القعدة عام 1172/1758– يجعلها الناصري 1175- بعث السلطان لأهل فاس يعلمهم بخروجه من مراكش لقصد إصلاح الرعية، ثم جاء الخبر بأنه وصل بلاد الشاوية وأوقع بهم وقعة هائلة...القتل من النساء والصبيان وأغار طابور من الجيش على النساء..)
وسيتضح من خلال الوقائع الآتية الذكر، أن القائد المنيعي، قد بدأ مبكرا محاولاته لتحسين صورته أمام السلطان، حيث كان هذا قد سماه ب "الكذاب" خلال مراسيم البيعة. وكان دأبه أن يظهر بمثابة القائد الأقدر على حل الإشكالات الشاوية العويصة، وقطع مادة إزعاجها المزمن للمخزن.
 كما أن هذا القائد كان يستند في إصراره، على مبررات قاهرة ودوافع قوية. منها أن قوافله صارت لا تسلم من هذه الهجمات، طالما أن طريق تامسنة كان يشكل منفذها الوحيد نحو مرفئ الرباط/سلا. ومنها حاجة السلطان الملحة للأمن بالشاوية، نظرا لتزايد الطلب الخارجي على حبوب وأصواف كل  بني مسكين وامزاب لضخامة كمياتها وارتفاع جودتها.
وقد ازداد الوضع حرجا، حينما طلب السلطان توجيه هذه القوافل نحو مينائي فضالة و دار البيضاء الذين دخلا الخدمة حديثا، الأول ابتداء من سنة 1186/1772، والثاني انطلاقا من سنة 1199/1785. إذ انضاف معها إلى معترضي هذه القوافل سياب آخرون من فرق أولاد أحريز وأولاد زيان وزناتة، وهو ما سيدفعه للإلحاح على السلطان قصد إدخالها تحت إيالته.
وفي انتظار ذاك، فقد باشر القائد المنيعي داخل إيالته الصغرى، سياسة تعسفية صارمة صارت علما عليه، مما لخصتها "مرفودة" (النار ولا عمار...سابقة الذكر، ونتوفر فيها على روايات شفوية  كثيرة تخص مخلفات تصرفاته القمعية المفرطة ضد منافسيه في القبيلتين وخاصة منهم أولاد ناجي ببني مسكين وأولاد سيدي حجاج وأولاد خمليش بأولاد أمراح، ومنها:
(وكان أصحاب القائد.. يأتون بالرجال مقيدين بالحبال للعمل في بناء أسوار قصبته، يجلبونهم من الدواوير التي يهجمون عليها في أولاد أمراح وأولاد فارس وبني مسكين، ومن يموت يدفنه في الحائط..)، ومنها أيضا: (.. وكل من يتأخر في دفع الضريبة يأتون بأولاده صغارا وكبارا ويربطونهم مع بهائم الدرس أمام أعينهم ، ويأمرون الخماسة بإلقاء أشواك الزرب تحت أرجلهم حتى تسيل دماءهم ولا يتوقفون كل يوم حتى يخلص كل منهم ما فرض عليه وأكثر..) 
كما تضمنت نتائج انخراطه بقوة في ترسيم المسلك المنيعي لطريق تامسنة بدل مسلكها الخمليشي ضدا على أصحابه، اضطراب حركة القوافل عبره، أضاع فيه الكثير من التجار أموالهم. ويعرف أن هذه الممارسات قد استمرت على أشدها في ضله لأكثر من عشرين سنة، حتى سير السلطان ضده حركة كبيرة خربت قصبته وأنهت نفوذه. وقد تواكبت على القبيلة خلالها أحداث وتطورات بالغة العمق تركت بصماتها في عدد من أوجه الروابط الداخلية ما بين لفي أولاد علي وأولاد ناجي، أو في مجال العلاقات الخارجية من الجوار القبلي، كما سيأتي تفصيله. 
وهكذا سأتناول في البداية جزءا من هذه المناورات ومخلفاتها، وقد تزامن تزايد أوارها مع صعود نجم آل الشافعي بفرقة أولاد العكارية، وكانوا أقوى حلفاء  هذا القائد في لف أولاد علي. وستسفر عن اندماجهم في هذا الخط، أضرار كبيرة بمنافسيهم في لف أولاد ناجي، حتى كادت أن يفسد علاقاتهم بالسلطان.كما سأتطرق في فقرات لاحقة لمستجدات أخرى في ميادين الفعل السياسي (المخزني) بالقبيلة، واستجلاء ما احتوته من مؤشرات في مسار تحولاتها البشرية التي شهدتها في شقيها الغربي والشرقي خلال هذا العهد.
ويبقى التساؤل قائما حول ما إذا كان اصطفاف النخب المحلية في لف أولاد علي ضمن العمل المخزني خارج الولاء القبلي، سيعطي للقبيلة ما كانت تجري ورائه من الوزن والمهابة، كأن يتم تخصيصها بامتيازات الحليف المميز للمخزن الإقليمي في إيالة كبرى من حجم أولاد بوعطية. وأعتقد أن حصول  العامل المنيعي على مبتغاه، قد جاء تتويجا فعليا لتحالفه مع اللف المسكيني المذكور، وأن ذلك سيكفل للطرفين فعلا إقتسام المنافع المتحصلة من تحويل طريق تامسنة عن معبره الأصلي لصالحهما.
1/- في المحطة الأولى من هذا التشخيص، أستحضر حادثة خطيرة، ضلت أخبارها متواثرة على لسان المسنين من قبيلتي أولاد أمراح وأولاد فارس الحلة حتى أواسط القرن الماضي، وذلك حسب إشارة الفقيه الحجاجي، حين قام بتدوين تفاصيلها على لسانهم. وكادت أن تحول دون حضور أعيان قبيلتي بني مسكين وأمزاب في بيعة السلطان سيدي محمد بن عبد الله بمراكش.
ويتحدد سياقها التاريخي العام، من خلال ما أورده الناصري في وصف هذا الحدث البارز، وتحمل بين طياتها تأكيدا جازما عن حضور أعيان من قبيلة بني مسكين هذه البيعة، وهو: (ثم قدم عليه العبيد والأودايا وأهل فاس من العلماء والأشراف وسائر الأعيان، وقبائل العرب والبربر والجبال وأهل الثغور كل ببيعته وهديته، لم يتخلف عنه أحد من أهل المغرب..).
        لكن إشارة الحجاجي، تبين أن هذا الحضور كاد أن لا يتم في وقته، بكل ما كان سيترتب عن ذلك من عواقب وخيمة بالنسبة لأولاد ناجي وحلفائهم من اللف الأمراحي. وتعود أسبابه إلى أن القائد المنيعي، كان قد تظاهر أمام مشايخ إيالته من المنافسين له، بتأجيل الإستعداد لحضور مراسيم هذه البيعة التي قال لهم أن أجلها سيمتد شهرا كاملا، لكنه انسل سرا والتحق بمراكش برفقة حلفائه من مشايخ أولاد علي في اللف المسكيني الثاني، وهناك قدم وشاية كاذبة أسرها لأصحاب السلطان، مفادها أن مشايخ أولاد أمراح وأولاد ناجي، قد تهاونوا في الحضور للبيعة رافضين المساهمة في هدية القبيلة.
وقد أفرد الحجاجي لهذه الحادثة، حيزا خاصا ضمن ترجمته للفقيه الغازي بن عباس الحجاجي بعنوان:"قضية تأخر أمزاب عن بيعة سلطان مراكشيقول فيه:(..وقالوا أنه كان من أصحاب السلطان مولاي سليمان... لما انتقل إليه الأمر، ولقبوه بالمراكشي لطول مقامه بها في شبابه.... وقالوا أنه في أحد الأيام جاء من مراكش إلى أولاد سيدي حجاج، فجمعهم في ضريح جدهم وعليه أمارات الجزع، وصار يقول لهم أنتم صرتم موتى وليس من عاداتكم التأخر في بيعة السلاطين..والقبائل كلها أتت بشرفائها وعوامها بالهدايا لمراكش لبيعة السلطان سيدي محمد ولد مولاي عبد الله. وأخبرهم أن القائد ولد بوسلهام حضر مع أصحابه العكارة، وقال لأصحاب السلطان أنكم تخلفتم مع أصحابكم من أولاد خمليش وأولاد فارس وبني مسكين لما دعاكم للحضور...
وأخبرني عن هذه الحادثة الفقيه أبوفارس الجيلالي بن عبد القادر قائلا: (..أن أولاد فارس الحلة وغيرهم من أولاد ناجي كانوا قد تأخروا في بيعة أحد أجداد السلطان مولاي الحسن، وذلك بسبب مناورة قام بها قائد أمزاب مع شيوخ من قبائل أولاد على....وأنهم التقوا مع أصحابهم من أعيان وشرفاء أولاد أمراح وأولاد فارس أمزاب في قصبة البروج، وأجمعوا رأيهم"لإصلاح الجرة".وأنهم جمعوا لهديتهم أحمالا كثيرة من الزرع وما لا يحصى من الأغنام والبقر وبعض الخيل المسومة....ولما وصلوا إلى مراكش، أرسل لهم السلطان جماعة من الشرفاء وأهل المخزن لإستقبالهم، وطمأنوهم على حالهم لما بلغه خوفهم، وقالوا لهم إن السلطان راض عنهم، وأنه لم يسمع لكلام الكذاب البخاري المنيعي...).
ويتبين من هذا، أن الإنكسار الذي عرفته القبيلة المسكينية في خضم الحرب الأهلية التي تلت وفاة السلطان المولى إسماعيل، قد استمر جاريا على عهد حفيده سيدي محمد بن عبد الله. فهل كان مرد حدوثه يرجع فقط إلى دواعي أمنية ناتجة عن انهيار السلطة المركزية، وبالتالي لن تلبث الأمور أن تعود إلى نصابها السابق بمجرد استتباب هذا الأمن. أم أنه كان مؤشرا عن تنامي عوامل أخرى لا تستقيم فيها الولاءات على مجرد الإنتماء القبلي؟؟.
أما عن رؤوس السلطة المخزنية بالبلاد المسكينية لهذا العهد، فأنني لم أجد من مصدر أنطلق منه غير مونوغرافية كارلوطي، وتعطي لائحة أولى بأسماء عشرة قواد يقول عنهم أنهم كلهم حكموا القبيلة خلال عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله. وأستخلص منها الأسئلة والملاحظات التالية:
- هل كان قيام أحد أجداد القائد الشافعي،ويسمى أمحمد بنمنصور بتصفية أول قائد في هذه اللائحة, ويسمى بلعيد الشاوي، وارتقائه لمنصب القيادة مكانه، يدخل في إطار خطة مدبرة مع القائد المنيعي، والحال أن القتيل كان من لف أولاد ناجي، وأنه كان مستقرا بقصبة البروج، وأن القاتل كان من أولاد العكارية حلفاء المنيعي، وهم أول المستفيدين من مرور طريق تامسنة عبر بلادهم، حيث يتطلب ذلك تحييد قصبة البروج بالمرة.
- على الرغم من تعامله مع رواة مسنين محليين، عاشوا معظم سنوات حياتهم في القرن 19م، ويحملون في ذاكرتهم القريبة معلومات عن حياة أجدادهم خلال القرن 18م، إلا أن كرلوطي لم يعط أية تفاصيل لا عن القائد بلعيد، ولا عن القائد بنمنصور ومكانته بالضبط في شجرة النسب الشافعية.
- يظهر من نسب القائدين الذين حكما قبيلة بني مسكين في ضل القائد المنيعي بعد وفاة القائد بنمنصور، أن شكوكا ما كانت تراوده في ولاء النخب المخزنية المحلية، التي يظهر أنها كانت تتبرم من تسلطه المفرط، إذ من المفروض أن تبقى القيادة في البيت المسكيني لو كانت الثقة متوفرة، وإلا فما تفسير أن يخلف القائد المسكيني الهالك واحد يسمى ابن أحمد الدكالي ويأتي بعده آخر يسمى علي بن العياشي الرحماني. وهناك ملاحظات أخرى عن هذه اللائحة سأعود لتناولها في الفصل العاشر زمن حكم المولى سليمان.
2/- وفي فقرة تشخيصية ثانية، سأتتبع مظهرا آخر من مظاهر التحول التي عرفتها القبيلة في هذا العهد، ويخص هنا علاقاتها مع قبائل الجوار. وهي أيضا ذات صلة بدواعي هذا الإنكسار، وبالغة الدقة في رصد محطاته. كما أنها لا تختلف كثيرا عما كان المجتمع المغربي يعرفه وقتها من تحولات في هياكله البشرية والإقتصادية، أو ما كانت أدوات النظام المخزني تسهده من تغييرات.
وقد تبين لي من تعميق النظر في بعض الإستنتاجات التي توصلت إليها إحدى الدراسات المغربية المنجزة مؤخرا، حول اتساع دائرة التنازع المسكينية مع قبائل أخرى في هذه الفترة، أنها كانت تحمل بين طياتها مؤشرات إضافية، حيال التغييرات التي شهدتها القبيلة في قوتها الذاتية، إن في وزنها البشري أو في مكانتها ما بين القبائل.
كما يتبين من دخولها في صراعات غير مسبوقة معها، أن الأمر قد تجاوز مستوى ردود الأفعال الإعتيادية ضد مشاغبات السراق، بل أصبح يتجاوزه إلى النهوض الشامل المبني على تراكم قدر من الإحساس بتعاظم المصالح المسكينية، لم يعد يسمح بالسكوت عنه أو البقاء بدون رد. والحال أن طريق تامسنة عبر مسلكه المنيعي صار يخترق بلاد الرحامنة في توجهه نحو مراكش، مبتعدا بذلك عن طريق السراغنة. وسأقتصر في ذلك على نموذجين:
- النموذج الأول ويتعلق بالعلاقات مع قبيلة السراغنة. وقد ذكر د.الحسن شوقي، أن هذه الأخيرة قد تعرضت في الفترة المعنية لهجمات من طرف قبيلة بني مسكين. وكان حجمها قد بلغ من القوة والكثافة ما أصبح يستدعي استنجاد "موالين الحدرة" بإخوانهم من جنوب تاساوت، وفي ذلك قوله: (وسنرى في علاقاتها مع القبائل المجاورة..أن سراغنة الجنوب طيلة ق 19م وحتى قبله بكثير طالما هبوا لنجدة سراغنة الشمال.. ضد غارات بني مسكين المجاورين على منطقة الحدرة، باعتبار هذه الأخيرة مرعى وملكا مشتركا..).
ومما يزودنا به الفقيه الحجاجي في نفس الموضوع،ذكره لعدة محاولات قام بها في هذا الأتجاه أفراد من عشيرة سيدي حجاج الذين كانت تربطهم ببعض الفرق السرغينية علاقات الخؤولة والمصاهرة، وخاصة منهم ذرية الفقيه سيدي أمحمد بن بوزيد الحجاجي صاحب زاوية القضيا المشهورة هناك.
ومنها ما ذكره في ترجمته للفقيه سيدي الغازي سابق الذكر: (..وقالوا أنه جاءه في يوم من الأيام أناس من أولاد فارس الحلة وغيرهم من أهل البروج وأولاد عامر يلحون ليذهب لعند أخواله بزاوية القضيا، ويطلب تدخلهم حتى يتوقف السراق من موالين الحدرة عن مهاجمة المواشي وإرجاع ما أخذوه منها. وذهب ولم يعد بشيء لأنهم قالوا أن السراق ليسوا منهم بل من قطاع الرحامنة)
 ورواية أخرى عن مذاكرة حدثت عند أحد أشياخ فرقة أولاد فارس أمزاب يسمى بوطيب بن بوشعيب الشعيبي، وهو جد والدة الفقيه الحجاجي وتباحث فيها أصحابه حول العمل الذي ينبغي القيام به إزاء قتل أحد أعيانهم من طرف السراغنة لما كان راجعا بتجارته من دمنات، وهي:
(.. وذكر لي بعض أخوالنا من الشعيبات أن رجلا من أجدادهم قتلوه السراغنة وتوزعوا جماله وسلعته، فطلبوا من أحد فتاكهم ويسمى الصحراوي لشدته أن يغسل عارهم وبذلوا له في ذلك الشيء الكثير. وقالوا أنه ذهب للبروج واصطحب معه ولد فيطوط العامري من فتاكهم وقطعوا الواد ونجحوا في اصطياد رجلين من موالين الحدرة كان لا يقدر عليهما أحد وجاؤوا بهما للبروج وطافوا بهما مكبلين حتى تشفي فيهما الناس لشهرتهما في الأذى والسرقة. وقالوا أنه كان يوما مشهودا عندهم وفرح الناس هناك كثيرا، لأن القبيلة كانت تستعد لمهاجمة موالين الحدرة كافة وسوق مواشيهم وأنعامهم كلها عقابا لهم، ...ثم جاء بهما وحده لدوار الشيخ بوطيب فوضعهما في المطامر..)
-       النموذج الثاني، ويتعلق بعلاقة بني مسكين مع قبائل الشاوية منإيالة أولاد بورزق، وخاصة منهم أولاد بوزيري وأولاد سي بنداود. وأشير إلى أن الموضوع يحفل هنا أيضا بروائح المناورة، وذلك حسبما تجود به الروايات الشفوية المسكينية أو الخمليشية، وما قدمه في صددها الفقيه الحجاجي.
ويعرف أن نوعا من الجوار السلمي كان لعهود طويلة هو القاعدة ما بين فرقتي أولاد أفريحة وأولاد بوزيري المتجاورتين، حيث كانت المناوشات القليلة التي تحدث بينهما، تنحصر في قيام بعض السياب من الفرقتين بغارات محدودة، سرعان ما يتدخل لإيقافها الشرفاء الأدارسة من عين بلال.
لكن الأمور في الفترة المعنية ازدادت تعقيدا، وتعددت مظاهر التوتر ما بين كل من الفرقتين المذكورتين وكافة فرق أولاد علي، وكانوا خاضعين أنذاك لقائد محلي من آل الشافعي حليف القائد المنيعي. ويظهر أن هذه الإصطدامات قد أخذت بعدا أكبر مع تعيين  السلطان للقائد المنيعي على رأس إيالة أولاد بوعطية،وكانت تشمل أمزاب والمداكرة وأولاد أحريز وبني مسكين بينما أدرج النصف الآخر، وهم أولاد بورزق، في إيالة القايد مول الطابع، ويشمل المزامزة وأولاد سعيد وأولاد بوزيري وأولاد سي بنداود.
ويمكن القول أن ترتيب الأمور على هذا النحو، قد سار بالأحداث في منحى آخر ربما لم يدرك السلطان كنهه، إذ في الوقت الذي كان القصد هو تقوية وازع الإستقرار وإشاعة الأمن في عموم بلاد الشاوية، لتستمر حركة الإنفتاح التجاري على البلدان والشركات الأوروبية، إلا أن ذلك كان كفيلا بجر النخب المخزنية فيها إلى معمعة المقابلة الثنائية ما بين قطبيها المتنافرين، وبالتالي حتمية اندلاع الصراع بينهما بأقصى ما يمكن تصوره.
ومن خلال قراءة متأنية لإخباريات الضعيف والناصري في هذا الشأن، يتبين أن الأوضاع كانت قد استمرت على حالها من التوتر وتبادل الهجمات ما بين قبائل الإيالتين، ولم يتغير شيء لعكسه رغم معاقبتهم خلال الحركة الأولى سابقة الذكر، وهو ما جر على الشاوية كلها، سخط السلطان وبالتالي دخوله في الإستعداد لتسيير حركة ثانية ضدهم..(لتلجيم القوى المحلية؟؟).
3/- لا تفوتني الإشارة هنا إلى دخول عامل آخر وراء تفشي ظاهرة اللصوصية وقطع الطرقات في معظم الأقاليم المغربية لهذه الفترة من حكم هذا السلطان، ومنها قبائل الشاوية.ويعود لإنتشار مخلفات القحط والمجاعة الناجمين عن موجة طويلة نسبيا من الجفاف التي سجلتها معظم المصادر المغربية.
وتمثلت هذه الحركات أيضا في حدوث نوع من النزوح  الجماعي لقبائل بكاملها، بحثا عن المرعى لمواشيهم، وهي المصدر الأساس لتغديهم وأسباب معاشهم. وكان ذلك بالقدر الذي ظهرت معه السلطات الإقلبمبة عاجزة كليا عن التحكم فيها أو تقديم ما يلزم من المساعدة.
وقد لخصت ذ.رحمة بورقية هذه العوامل في قولها: ( إن انساع حركة السياب أو اللصوصية في مجتمع ما، كانت دائما مظهرا من مظاهر أزمته. وأن ذلك كان يأتي بتزامن مع انتشار الفقر وتدهور الأحوال المعيشية للسكان. ويبلغ أقصى درجاته إذا عمت المجتمع موجات من المجاعات والأوبئة. وقد تتزامن أيضا مع بعض الفترات من الأزمة السياسية التي ينتج عنها انهيار الحكم المركزي القائم بها قبل ذلك..).
وعن مظاهر هذه الحالة ببلاد الشاوية، ما ذكره الضعيف عن العصابات التي عاودت التعرض مجددا لقوافل المسافرين على طريق تامسنة، سواء كانوا من أصحاب المخزن أو التجار أو من الأفراد العاديين..، وفي ذلك قوله: (..وفيها أي سنة 1193/1780- كان لا يقدر أحد أن يذهب لمراكش على بلاد تامسنة وكل من جاز عليهم أكلوه ونهبوه، حتى أن السلطان برح ان كل من جاز على الشاوية فلا يلوم إلا نفسه...).
        في ضل هذه الأوضاع اندلعت المواجهة المنتظرة ما بين قبائل الإيالتين، حيث جاء منسجما مع طبيعة العلاقات المتوترة أصلا بينهما للأسباب التي سبق ذكرها. وقد عبر عنها الضعيف بقوله: (..وفي هذه السنة أي 1194/1781- كان الحرب بين الشاوية بعضها مع بعض وهم أولاد بورزق مع أولاد بوعطية.). ولا ندري ما إذا كانت للسلطان يد في ذلك، إذ كان وقتها غاضبا على عامل أولاد بورزق لعجزه عن التحكم في قبائل إيالته، وخاصة بعد دخول ميناء فضالة على الخط، وكان قد فتحه للتجارة الخارجية قبل حوالي ثلاث سنوات من هذا التقسيم المخزني لقبيلة الشاوية.
كما لا يمكن إلغاء دور القائد المنيعي في تسريع قرار السلطان بتسيير هذه الحركة، والحصول منه على تخويل بقيادتها، إذ لا يعقل أن تقوم هذه المواجهة الكبرى بغير موافقته.  وقد بيننا أن هذا القائد كان لا يتورع عن استخدام كل الوسائل لتحقيق أهدافه، طالما أنها تكفل له البقاء على رأس السلطة بأولاد بوعطية وبني مسكين، والمحافظة على المعبر المنيعي لطريق تامسنة.
ووجدت عند الحجاجي رواية أخرى عن "حرب ضروس" وقعت ما بين قائدي الإيالتين، يظهر أنها هي الواردة عند الضعيف، ونصها: (..ويحكون عن حرب ضروس وقعت لهم مع قبائل حوز سطات، انتصر فيها القائد ولد بوسلهام، وأن الناس عادوا منها بأحمال كثيرة من الفضة وأواني الشاي واللباس والأفرشة والأغطية والمكاحل والخيل والبقر والقنم والجمال بالمئات..وحكوا عن السبي الكثير من النساء والعبيد والإماء..)
ويردفها بإفادة أخرى، تبين شدة معاناة أولاد على من أولاد بورزق المجاورين لهم،حتى إذا جاءت الفرصة لرد اعنبارهم، فإنهم تصرفوا وفق عادة "غسل العار"، وهي: (وقالوا أيضا أن القائد لو لم يمنع أصحابه من بني مسكين لكانوا هدموا قصبة سطات كلها على رؤوسهم وتركوها تصفر، لكثرة ما كان يأتيهم من شرور أصحاب قائدها أولاد بوزيري وأولاد سي بنداود..)
كما وجدت في الروايات الشفوية الخمليشية إفادات أخرى عن هذه المعاناة، وذلك في معرض تناولها لعلاقاتهم بأولاد سي بنداود الذين ينتسبون إليهم في أصولهم البعيدة قبل استقرار أجدادهم بقبيلة أولاد أمراح، ومنها: (ويحكون عن مجيء جماعة من الشرفاء الأدارسة بزاوية عين بلال للقاء الشيخ الجيلالي الخمليشي وطلبوا منه التدخل عند أولاد سي بنداوود لإرجاع أنعام أخذوها لأولاد أفريحة والخشاشنة. فحصل المراد من التدخل المذكور..). ومنها أيضا: (..وفي يوم آخر جاء البعض من شرفاء أولاد سي بنداوود عند أولاد خمليش وأولاد سيدي حجاج طالبين بدورهم التدخل لدى شرفاء عين بلال للتوسط عند أولاد علي قصد إرجاع أنعام وبهائم أخذوها لهم). 
أما عن أحداث السنة الموالية، فقد وجدت عند الحجاجي إشارة تبين مدى الإنعكاسات التي ترتبت على البلاد المسكينية نتيجة تعمق هذه الصلات. وتتعلق بالحركة التي سيرها المخزن ضد أولاد بو السبع بحوز مراكش. فأبدأ بما ذكره في صددها الضعيف: (وفي أوائل عام 1195-11782- رجع السلطان لمراكش ..وأوقع بأولاد بو السبع... وكانت قبيلة طاغية ظالمة.. وهم أهل خيل وعدة وعدد.. فجمع عليهم القبائل  وبدد شملهم.. وخرجوا من بلادهم منهزمين.. وتلف بعضهم في حوز مراكش وغيره من النواحي..).
وبالرغم من عدم تعرض المصادر المعتمدة بصفة مباشرة لمشاركة القائد المنيعي قي هذه الحركة مع أنصاره في قبيلة بني مسكين، إلا أنني لا أستبعد ذلك من باب دأبهم للمحافظة على المكانة المخزنية التي سارت إليهم. فضلا عما أشار إليه الضعيف حول التعبئة العامة التي تطلبها الأمر. أما إشارة الحجاجي في الموضوع، فتأتي مكملة لما سار إليه الأمر بعد انتهاء هذه الحركة وتشتيت بقايا هذه القبيلة بين القبائل، وأشتم منها ثبوث المشاركة، ومفاده:
(.. وقالوا عن أولاد بو السبع أنهم ما دخلوا في عداد قبيلة أمنيع إلا من مدة قريبة، وذكر لهم أجدادهم أن القائد ولو بوسلهام هو الذي جاء بهم من حوز مراكش بعد كسرتهم هناك وأسكنهم في بلاد مسكورة وكلفهم بالخدمة في عزبانه فيها....وقالوا أنهم ضلوا يلحون عليه لما كان ينالهم من تنكيل أصحابه بني مسكين المجاورين لهم حتى نقلهم لحوض سيدي اسماعيل بفرقة أجموحة..).

4/- في سنة (1199/1785)، قام السلطان بإذماج مدينة دار البيضاء في تجارته الخارجية، وذلك بعد انتهاء الأشغال في المنشآت الأساسية التي أهلتها للوظائف الجديدة، وكانت قد تخربت في زلزال 1757 الشهير. ولا حاجة هنا لفتح ملف الكتابات الكولونيالية الكثيرة التي عاثت فسادا في هذا المفصل من التاريخ العمراني لهذه المدينة، وتكفي الإشارة إلى أنها دارت في مجملها حول فكرة إعدام وجود أية مبادرة مغربية تستحق الذكر في نشأتها المعاصرة، وأن ذلك يعود كله للمبادرات الأوروبية في أواسط القرن 19م. 
وبغض النظر عن كل ما قيل حول تعطيل المولى سليمان لمظاهر الإزدهار التجاري التي ارتقت إليها هذه المدينة في أواخر عهد السلطان  سيدي محمد بن عبد الله، مما سأتناول سلبياته في الفصل العاشر، إلا أن ما قام به هذا الأخير من تعديل في سلطاتها المخزنية، جاء ليقلب الأمور رأسا على عقب في عموم بلاد الشاوية، وبحطم كل ما ترتب من دواليب هذه الحركة في كل من بلاد أمزاب والجزء الغربي من بني مسكين، طوال ثلاثين سنة.
ويتمثل ذلك في تعيين عامل كبير على هذه المدينة وكافة بلاد الشاوية وذلك حسبما ذكره الضعيف ومن نقلوا عنه، من دون أي تحديد لمدى تداخل سلطاته مع قائدي إيالتي أولاد بوعطية وأولاد بورزق، أو إبراز مناحي تقاطعها. وفي ذلك قوله عن السلطان: (..وفي هذه السنة-1199-...نزل بالدار البيضاء فرأي مرستها فأعجبته ووبخ أهل الرباط لأنهم كانوا يعيبونها له  لأنهم كانوا يخافون من عمارتها، فأمر ببناءها، وأمر ببناء السور وأذن للنصارى أن يحملوا منها الزرع وعمل على الشاوية القائد عبد الله الرحماني.)
ويظهر أن هذا القائد لم يكن على وفاق مع القائد المنيعي،إذ استمرت علاقتهما متوثرة، والحال أن الأول كان يريد أن تتجه قوافل الثاني نحو مدينته طالما أن السلطان ميزها لتكون منفذ خيرات الشاوية، بينما استمر الثاني في توجيه قوافله عبر المنفذ القديم لطريق تامسنة نحو الرباط.
وفي إحدى تنقلاته عبر السراغنة وأيت أعتاب وبني مسكين، التي ذكرها الصعيف في قوله: (..وفي يوم الخميس 12 شعبان عام 1202 خرج السلطان ... من الحمراء مراكش، وبات بقنظرة تانسيفت ومنها ارتحل ونزل على واد أم الربيع على مشرع الحمري..)  تبين للسلطان ما تفقده خزائن جماركه من مداخيل الصادرات التي تنتجها هذه الأقاليم، وخاصة الزيتون والزيت والزبيب واللوز والجوز...، مما كان الطلب عليها كبيرا من طرف  التجار الأوروبيين. وكانت هذه المواد لا تجد طريقها نحو الدار البيضاء، نظرا لكون طريق تامسنة القديم قد تم تحويره بعيدا من طرف القائد المنيعي. 
ويظهر للضعيف لحظة وقوف السلطان على ضرورة إزاحة القائد المنيعي، بقوله: (..وبعده بأيام رحل لفاس وبقي بها مدة ..إلى أن أحس بأهل تامسنة خرجول عن كلمة صهره القائد عبد الله الرحماني ولاسيما أمزاب والبعض من قبائل الشاوية وكانوا لا يأتون للرحماني بالدار البيضاء..)
وفي أخرى يبرز عزمه على تصفيته إلى ما لا رجعة: (.. وفي يوم الأحد رابع شعبان المبارك – عام 1203- خرج السلطان من رباط الفتح حاركا للشاوية.. وفي يوم الأحد رابع عشر شعبان نزل السلطان بقيسر ولحقه القائد عبد الله الرحماني من الدار البيضاء..فتوجه لمزاب منيع إخوان القائد عمر بن بوسلهام المزابي على أن يعطوه ألفين من الخيل بعدتها ويمكنوه من المخارة والسراق..فلم يقبل والتقى الجمعان فكان بينه وبينهم حرب عتيد..)
ويظهر أن القائد الرحماني قد أدرك خطورة مشاركة حلفاء القائد المنيعي من بني مسكين في المعركة فأوحى للسلطان بالعمل على تحييدهم قبل اندلاعها، (...وبعث السلطان لورديغة وبني مسكين يتبرأ منهم على أن لا ينزل أحد من أمزاب معهم في حلتهم فأوقع بهم ..وقعة لم ير مثلها قط. وهرب منهم البعض لكهوف أم الربيع فأتبعهم الرحماني وقاتلهم وجمع الحطب وحرق من كان في تلك الكيفان..)
ويظهر أن حلفاء القائد المنيعي من بني مسكين لم يستسيغوا التحذير، فبادروا لمؤازرته: (..وبلغه أن البعض منهم هربوا لبني مسكين فأراد مكرهم لأنهم خالفوا أمره فبعث لهم على أن ياتوا خيلا ورجليه ليعطيهم من مال الشاوية فلما أتوه.. وفي الليل ارتحل وضرب على حلة بني مسكين فوجدها خالية من الرجال فنهب مالهم.. ثم نزل السلطان نصره الله بالبروج بين ورديغة وبني مسكين.)
وبعد سنة واحدة من زيارته الأولى لقصبة البروج، أبى السلطان إلا أن يقوم لها بأخرى، وذلك من باب التأكيد على ترسيمها كمحطى أساس على طريق تامسنة، والحث على الإستمرار في اعتماد هذا كمنفذ أساس لتصريف منتجات الأقاليم الداخلية الوسطى نحو واجهتها البحرية وميناءها الواعد في الدار البيضاء. إلا أنها كانت بمثابة "زيارة الوداع".
وفي ذلك قول الضعيف: (ثم خرج ..من مراكش يوم الإثنين 12 رجب عام 1204.. ونزل لوادي تانسيفت وفي الغد ..قطع وادي أم الربيع على مشرع الحمري  وفيه أحس بثقل أعضائه... ثم صار في بلاد بني مسكين ..إلى أن نزل بعين الشعرة بضريح سيدي عبد الله بن سليمان بتامسنة.. إلى أن نزل بعين أعتيق وفيها حرجت روحه وقيل بين الشراظ وواد يكم ..وقيل توفي رحمه الله بداره بعد أن دخل ليلة الإثنين 26 رجب 1204 ..)

وأعود في خاتمة هذا المبحث لتناول بعض الأصداء المحلية عن نهوض السلطان سيدي محمد بن عبد الله، في بداية عهده، لأسترجاع قصبة البريجة من أيدي المحتل البرتغالي. وهي محطة باهرة في لائحة نجاحات سياسته الخارجية من منطلق المواجهة بالقوة. ويعرف أن التناولات الكولونيالية التي أنجزت في صددها،لم تأل جهدا في تقزيم هذا العمل والحط من شأنه. حيث تم  إبرازه على شكل عملية عسكرية بسيطة ليس لها من حاجة، وأن ملك البرتغال كان قد قرر إخلاء هذا الحصن لقلة فائدته، وارتفاع المصاريف المخصصة له.
وفي المقابل فإن المصادر المغربية تزخر بالكثير من الشهادات الدالة على ضخامة ما خصصة هذا السلطان من حشود عسكرية وأسلحة ومدافع وسفن حربية. وأكتفي منها هنا بشهادة  للضعيف الرباطي حيث يقول:
(..وفي شعبان من عام 1182/1769، نزل السلطان على البريجة وشد عليها الحصار آناء الليل وأطراف النهار. واجتمعت عليه الحشود والقبائل والجنود من كل أرض...وكان السلطان قبل نزوله عليها وجه إليها البحرية من مدينة رباط الفتح والطبجية والبنباجية والرياس...وفي السابع والعشرين من رمضان المعظم عامه أخذت البريجة فقامت بهم المينة ومات خلق كثير بالردم، سقط عليهم السور ثم رحل السلطان عنها لمراكش في شوال)
ويورد الفقيه الحجاجي نصا لقصيدة من الملحون الشعبي، سجلها على لسان أحد المسنين من رماة عين بلال في ستينيات القرن الماضي، لم يذكر إسمه. وكان قد سجلها بنصها مع بعض الإختلاف في ترتيب الكلمات أو الفقرات على لسان نظام آخر من أولاد فارس إسمه علي بن المعطي الفارسيوهي على كل حال، وثيقة محلية فريدة نظمها ناظم من إحدى القبيلتين،  لتخليد مشاركة رماتهما في معركة استرجاعها من أيدي البرتغال.[2]، ومنها:
(..لله يا البريجة علاش تبكي وأنت ليك السلطان..
         مولاي اسماعين كرام الضيفان..
....................
..................
...................
.......................
......................

.......................





[1]. ...... الناصري ج8. ص18...30...
[2] . عرضت نص هذه القصيدة على عدد من شيوخ هذا الفن بمدن سلا والرباط وأزمور والجديدة ومراكش فلم يعرفه أحد

السبت، 27 يوليو 2013

            السرغيني للبلا جباد      الرحماني للسيبة كواد
   الورديغي للعافية وكاد   العميري للشر حداد
           المزابي للدحاس عماد     البوزيري للعكس رفاد
                المسكيني للمخزن ركيزة وسناد
ذ.محمد غازي.



عن المركز المغربي للأبحاث والدراسات حول الدار البيضاء والشاوية.

۩۩۩۩۩
جوانب من تاريخ
قبيـــــــــــلة بني مسكين
في أحواز مدينة البروج .
۩۩۩۩۩
الجزء الأول.

الإنسان والبيئة وإكراهات الموقع:
محطات تاريخية عبر الأزمنة إلى مطلع القرن 19ن.

   ۩۩۩۩۩
منشورات جمعية بني مسكين للتنمية البشرية.
دار البيضاء. غشت 2013


(تادلة وورديغة هند وزناد،
زمور وزعير خيام وأوتاد،
أمزاب والإعشاش كورح وشداد،
مزامزة وسعيد ركايز وعماد ،
بوزيري وبنداوود فلاحة وبلاد ،
الرحامنة وسرغين فوادات وكباد،
بني مسكين والقراقرة ضد وعناد.)[1].



[1] . مأخوذة من نفس الروايات أعلاه، ويردد شيوخ قبيلة أولاد فارس أمزاب مقولة مشابهة مع بعض التغيير في أسماء الفرق القبلية، وفي التأويلات المنسوبة لكل منها، حيث تخص قبيلة بني مسكين بتأويل مفاده أنهم (كسابة وأجواد)، وقد استعملناه كعنوان فرعي لتوصيف خصائص الحياة الإقتصادية بالقبيلة في الجزء الثاني.